محاولات عديده لتعريف النوم , ومنها ان النوم هو غياب اليقظة , أو هو غياب الوعي , او انه الحاله التي تخلو من الشعور والتي لا يحدث خلالها شئ , او انه الحاله التي يبدو فيها الانسان وكأنه غير حي , الى غير ذلك من التعاريف الوصفيه والتي تعرف الآن بأنها غير صحيحه . ومعظم هذه الاوصاف للنوم تحمل بقايا من المعتقدات القديمه والتي ساوت بين النوم والموت , وقد عبّر شكسبير عن مثل هذه المساواة بين النوم والموت بقوله (( .... في ذلك النوم الابدي ( أي الموت ) فأي أحلام تأتي ؟ .... )) .
ان النظرة الحديثه لظاهرة النوم تختلف جذرياً عمّا كانت عليه في الماضي , وهي تفيد بأن النوم هو حاله نشطه وليست خامله , وبأن النائم يتمتع اثناء نومه وفي بعض مراحله بدرجه ما من درجات الوعي , وبأن اشياء كثيره ومهمه تحدث اثناء النوم . وقد امكن بنتيجة الأبحاث المختلفه التوصل الى تعريف للنوم يفي بمعظم الخصائص التي تصاحب هذه الحاله , وان كان هذا التعريف مازال يقصر عن التعريف الدقيق والشامل لحالة النوم . والتعريف الحالي ينص على ان النوم هو حاله طبيعيه , يسهل عكسها , وتتصف بالتكرار , وبانخفاض في الاستجابه الى الاشارات الخارجيه . ويعتمد هذا التعريف على البينات التي يقتضي توفرها في النائم لاثبات نومه . وهذه البينات تأتي من المصادر التاليه وهي :
اولاً : الحركه الدماغيه الكهربائيه , ومخطط حركة العينين , ومخطط العضلات الكهربائي .
ثانياً : التغيرات الفيزيولوجيه الجسميه .
ثالثاً : المظاهر السلوكيه .
رابعاً : شعور الفرد نفسه .
وفيما يلي ايضاح لهذه البينات والتي اذا ما تزامن ظهورها في الفرد , اعتبر النوم قائماً بالمعنى العملي , غير انه تقتضي الاشاره الى ان بعض البينات قد تكون مفقوده , او انها غير ثابته في قياساتها , ومع ذلك فان حالة النوم تعتبر قائمه . وهذا الواقع يشير الى اننا ما زلنا غير قادرين على الحصول على البينه الوحيده والتي اذا ما توفرت كانت كافيه لاثبات قيام حالة النوم بصوره قاطعه .
اولاً : الحركه الكهربائيه :
وهي تستمد من الحركه الكهربائيه للدماغ , وعضلات العينين , او عضلات الجسم . فحركة الدماغ الكهربائيه لها نمط يميز فترات النوم , وهذه الحركه تقترب في بعض خصائصها من حركة الدماغ اثناء اليقظة , وذلك خلال فترة النوم الحالم , غير انها تختلف جذرياً عن حركة اليقظة اثناء النوم غير الحالم . والحركه الثانيه المدللة على النوم , هي حركة العينين السريعه والتي تسجل في جهاز تخطيط العينين , غير ان هذه الحركه تظهر فقط خلال فترات النوم الحالم , والتي لا تبدأ الإ بعد مرور 90 – 100 دقيقه من بداية وقوع النوم . والحركه الثالثه , هي
-2-
حركة الإنقباض العضلي والتي تسجل كهربائياً , وهي منخفضه جداً اثناء النوم , وخاصة اثناء فترات النوم الحالم .
ثانياً : التغيرات الفسيولوجيه الجسميه :
هنالك فروق واضحه , واحياناً كبيره , في العمليات الفيزيولوجيه لأجهزة الجسم بين اليقظه وحالة النوم , وهذه الفروق تظهر في حالة القلب , وفي التنفس , وفي ضغط الدم , وفي تسجيل المقاومه الكهربائيه للجلد , كما قد تظهر في الفحوص المخبريه على الهرمونات والمواد العصبيه الناقله ( المرسلات العصبيه ) والانزيمات , والتي تفيد كلها بوجود تفاوت في مقاديرها بين حالتي النوم واليقظه .
ثالثاً : الملاحظات السلوكيه :
النائم يظهر بعض الدلائل التي تفيد بأنه نائم , كإغماض عينيه , وإرتخاء عضلاته , وعدم حركته , او قلتها , وتعذر او صعوبة إستجابته للإشارات الحسيه الخارجيه . غير ان جميع هذه المظاهر لا تدلل بالضروره على النوم , إذ أنها يمكن ان تظهر في الوقت الذي لا يكون الفرد فيه نائماً وإنما مدعياً بالنوم , او مسترخياً او متعباً .
رابعاً : الشعور بالنوم :
المصدر الرابع والأخير هو إفادة النائم الشخصيه بأنه كان نائماً . وهذه الإفاده الشخصيه بالنوم قد تطابق الحقيقه , وقد تكون إدعاء وقد يكون المدعي بها صادقاً في شعوره , وان كانت البينات السلوكيه قد تخالف إدعاءه ...
وهكذا ومع جميع البينات المتوفره حالياً لرصد حالة النوم , إلا أننا ما زلنا جاهلين للبينه الوحيده الحاسمه , والتي تثبت بدون شك قيام النوم في أي شخص ما , وحتى توفر هذه البينه الحاسمه , فإن تعريف حالة النوم يجب ان يأخذ بعين الإعتبار البينات المستمده من المصادر الممكنه الآن , وهي البينات الكهربائيه , والفيزيولوجيه والسلوكيه , وسيظل مثل هذا التعريف قائماً الى أن يمكن إكتشاف ذلك الجزء من الدماغ الذي ينظم عملية النوم , ورصد ما يحدث في هذا المركز لما يؤدي الى قيام حالة النوم , عندها فقط يمكن تعريف النوم مما يحدث في هذا المركز من تغيرات تميزه عن حالة اليقظه .
كيف يحدث النوم ؟
اعتقد الانسان ولقرون طويله بأن النوم هو حاله مختلفه تماماً عن اليقظه , وبأنها تأتي للإنسان كالزائر في الظلام , أو ان الفرد يقع فيها تلقائياً , او كما ورد في معتقدات الأقوام البدائيه بأن النوم يمثل هجرة الروح من الجسد في بدايته , وعودة هذه الروح من هجرتها وتجوالها في بداية اليقظه , ولهذا فقد حرصوا على محاذرة إفاقة النائم من نومه , خشية عليه من الإستفاقه المفاجئه قبل عودة الروح اليه . وفي الأساطيرالأغريقيه فسر حدوث النوم بأنه من صنع الآلهه , فثانتوس وهيبونوس كلاهما أخوان , وهما من ابناء الليل , أما فثانتوس , فكان إله الموت , بينما هيبنوس
-3-
فقد كان إله النوم , وأقام كلاهما في العالم السفلي , وطبقاً للأسطورة فإن هيبنوس كان يحدث النوم في الناس , أما بلمسهم بعصاه السحرية , أو بخفق جناحيه الداكنين فوق رؤوسهم .
وفي القرون التاليه ظهرت نظريات عديده لتفسير حدوث النوم والتي إبتعدت عن الفعل الإلهي في أحداث هذه الحاله , وبدلاً من ذلك ربط حدوث النوم بما يحدث من عمليات داخل الجسم , مثل عملية الهضم , والدوره الدمويه , والأخلاط , والعصارات . أما في العصر الحديث فقد إتجه تفسير حدوث النوم الى الجهاز العصبي المركزي وخاصة الدماغ , غير ان عوامل اخرى فرعيه مازالت تعتبر فعاله في احداث حالة النوم , وهذه مستمده من فعاليات الجسم بما في ذلك حالة الاستقلاب والدوره الدمويه والتركيب الكيماوي والافرازات الهرمونيه إضافه الى فعل العوامل المحيطيه التي تحيط بالفرد , وأخيراً فعل الرغبه في النوم .
التهيئه للنوم :
مع ان النوم قد يحدث لمن هو في حاجه ماسه إليه وفي أي ظرف وزمن ووضع جسمي كان عليه, إلا أنه نادراً مايحل بأحد ما وهو منتصب القامه , أو في حالة خطر , أو في حاله شديده من الألم . ويحدث النوم الطبيعي عندما يصبح الفرد مهيئاً له . والذي يهيء لذلك عادة هو : (أولاً) ان يكون قد حل وقت النوم الطبيعي للفرد , (ثانياً) ان تكون قد مّرت الساعات المألوفه من الزمن منذ الإستفاقه من النوم السابق . (ثالثاً) ان تتوفر الرغبه في النوم , (رابعاً) ان يضع الفرد نفسه في ظروف محيطيه ملائمه للنوم , (خامساً) ان يضع الفرد نفسه في وضع جسمي ملائم لحالة النوم , وهو الوضع المألوف بالتمدد سطحياً على الفراش , أو أي شئ منبسط , سوى على ظهره او بطنه او احد جانبيه . والدور الأول من المهيئات يفتح الباب نحو الدور الثاني من التهيئه , والذي يتكون من عنصرين هامين , اولهما : الغياب او التناقص التدريجي لأي سلوك يهدف الى تحقيق غرض آخر غير النوم , اما العنصر الثاني فهو الإسترخاء في عضلات الجسم الخارجيه (الهيكليه) . وهذا العنصر الأخير يجعل من أي سلوك إرادي نحو هدف معين امراً مستبعداً , كما انه يساعد في تنمية حالة عدم الإحساس او قلة الإحساس لأي إثارات خارجيه .
النوم الفعلي :
لم يكن هنالك بد من الإفتراض من ان النوم هو عمليه دماغيه , ذلك ان اتلاف أي عضو او جزء في الجسم ما عدى الدماغ لا يحدث حالة النوم بالضروره , وقد اتجه البحث لذلك الى مناطق الدماغ المختلفه , ووظائف الدماغ بجزئياته وكليته , في محاوله لتفسير الكيفيه التي يحدث فيها النوم , ومعرفة الجزء او الأجزاء الدماغيه التي اما تختص بعملية النوم او تساهم في احداثه . وقد تعددت نظريات الباحثين حول هذا الموضوع , ومن النظريات التي وردت في هذا الموضوع : (اولاً) ان كل خليه دماغيه تمتلك خاصية النشاط والخمول . (ثانياً) ان هنالك مركزاً مختصاً في الدماغ يسيطر على دورة اليقظه والنوم وينظم تواليهما . (ثالثاً) ان هنالك مركزاً يختص بحالة اليقظه وآخر يختص بحالة النوم , وبأنهما يتداولان السيطره , (رابعاً) بأنه لا توجد هناك مراكز خاصه بالنوم او اليقظه , وبأن هناك بدلاً من ذلك مجاميع من الخلايا التي تنظم عملية عبور او ايقاف الأثارات الحسيه الى الدماغ , وبأن هذا التنظيم هو ما يحدث النوم او اليقظه , (خامساً) وأخيراً الفرضيه بأن النوم هو موجه طارئه من النهي التي تغمر الدماغ وتوقف نشاطه , وتحدث بذلك النوم .
الدكتور / فلاح الشمري – بغداد