علم الوراثة Genetics هو العلم الذي يدرس المورثات (الجينات) والصفات التي تورثها وما ينتج عنه من تنوع الكائنات الحية. وكانت مبادئ توريث الصفات مستخدمة منذ تاريخ بعيد لتحسين المحصول الزراعي وتحسين النسل الحيواني عن طريق تزويج حيوانات من سلالة ذات صفات جيدة – كمثال عن ذلك الحصان العربي الأصيل حيث كان العرب يزاوجون الحصان والفرس الأقوياء ليحصلوا على نسل قوي واستمروا بذلك عبر السنين -.
ولكن علم الوراثة الحديث الذي حاول فهم آلية توريث الصفات ابتدأ بالعالم غريفور مندل Gregor Mendel في منتصف القرن التاسع عشر، حيث قام مندل بمراقبة الصفات الموروثة للكائنات الحية وكيفية انتقالها من الآباء إلى الأبناء، ولكنه لم يكتشف آلية هذا الانتقال التي تتم عن طريق وحدات مميزة في توريث الصفات وهي المورثات (الجينات) Genes، وهي تمثل مناطق معينة من شريط الـDNA، هذا الشريط هو عبارة عن تتالي وحدات جزيئية تدعي النيكليوتيدات Nucleotides، ترتيب وتسلسل هذه النيكليوتيدات يمثل المعلومات الوراثية لصفات الكائن الحي.
يتواجد الـDNA بشكل طبيعي على هيئة سلسلة مزدوجة، كل نيكلوتيد من السلسلة الأولى يقابله ويتممه نيكليوتيد من السلسلة الثانية. فكل سلسلة مفردة تقوم بعمل قالب للسلسلة الأخرى، وهذه هي آلية انتساخ الـDNA واتنقال المورثات.
تترجم الخلية ترتيب النيكليوتيدات في المورثة إلى سلسلة من الأحماض الأمينية amino acids وهذه السلسلة تؤلف بروتين معين- ترتيب الأحماض الأمينية في البروتين تتوافق مع ترتيب النيكليوتيدات في المورثة، والعلاقة بين ترتيب النيكلوتيدات وترتيب الأحماض الأمينية تدعى الشيفرة الوراثية genetic code.
الأحماض الأمينة التي تؤلف البروتين تحدد شكله الثلاثي الذي يحدد وظيفة البروتين ودوره، فتختلف بذلك البروتينات عن بعضها البعض لتلعب أدواراً مختلفة في الخلية، فالبروتينات تلعب تقريباً كافة الوظائف داخل الخلية.
فتغير واحد في الـDNA لجينة(مورثة) معينة يؤدي إلى تغير في الأحماض الأمينية لأحد البروتينات مما يغير شكله فتتغير وظيفته ودوره وقد يكون هذا التغير ممرض أو مميت للخلية وللكائن الحي بشكل عام- مثال مرض فقر الدم المنجلي Sickle Cell Anemia ناتج عن تغير لنيكلوتيد واحد مما يغير أحد الأحماض الأمينية مما يغير البروتين فيتغير دوره فتتشكل كرات دم غير قادرة على نقل الأوكسجين بشكل طبيعي فيتنج عنه مرض فقر الدم المنجلي-. وعلى الرغم من أن الوراثة تلعب دوراً في شكل وتصرفات الكائن الحي، لكن ما يمر به الكائن الحي من تجارب في حياته يلعب دورا كبيراً في ذلك- مثال الجينات مسؤولة عن تحديد طول الشخص ولكن التغذية والظروف التي مر بها هذا الشخص في طفولته تؤثر وتلعب دوراً كبيراً أيضاً.
بدأ علم الوراثة على يد العالم المشهور مندل بدراسة انتقال الصفات الوراثية من الآباء للأبناء ونسب توزعها بين افراد الأجيال المختلفة. تعرف هذه الدراسات الآن بعلم الوراثة الكلاسيكي. لكن التقنيات الحديثة سمحت لعلماء الوراثة حاليا باستقصاء آلية عمل الجينات ومعرفة التسلسل الدقيق للحموض الأمينية ضمن دنا ورنا المادة الوراثية ليقوموا بعد ذلك بربط هذا التسلسل بالمورثات، وقد سمح هذا بإتمام واحد من أضخم مشاريع القرن العشرين : وهو مشروع الجينوم البشري.
المعلومات الوراثية بشكل عام تكون محمولة ضمن الصبغيات الموجودة في نواة الخلايا وتحوي ضمنها الدنا الحامل الأساسي للمورثات.
تقوم الجينات بتشفير المعلومات الضرورية لاصطناع سلاسل الأحماض الأمينية التي ستدخل في تركيب البروتينات المختلفة، هذه البروتينات ستلعب بدورها دورا كبيرا في تحديد النمط الظاهري النهائي للمتعضية. عادة في الأحياء ثنائية الصيغة أحد النسخ الجينية (الحليل) المسيطرة سوف تطغى بصفاتها على صفات الجينة المتقهقرة (الضعيفة).
انتشر في الوراثيات الكلاسيكية مبدأ يقول (لكل مورثة واحدة، بروتين واحد) بمعنى ان كل مورثة تحمل معلومات لبناء بروتين وأحد فقط، لكن هذه العبارة يشكك بها كثيرا هذه الأيام وتعتبر إحدى الاخطاء التبسيطية التي وقع بها علم الوراثة الكلاسيكي.
من المؤكد الآن أنه يمكن لنفس المورثة أن تنتج عدة بروتينات ويتحكم بهذا الأمر طريقة ترجمة (تحويل) الشفرة الوراثية وتنظيم هذه العملية المعقدة.
تقوم المورثات بتحديد مظهر الكاثنات الحية الخارجي إلى حد كبير، وهناك احتمال يطرحه البعض فكلتحكمها بالسلوك البشري لكن هذه القضية ما زالت قيد نقاش عميق وتختلف وجهة النظر حسب التوجهات العلمية للباحثين.
الأطباء المتدربين أيضا على علم الوراثة يقومون بتشخيص الأمراض الوراثية عند المرضى بكفاءة. يتم تدريس ذلك للأطباء في مناهج إقامة أو اختصاص.
علم الوراثة الجزيئي
تم تأسيس علم الوراثة الجينية الحقيقية والتي تؤدي إلى الوراثة الجزيئي بناء على علم الوراثة الكلاسيكي لكنه يرتكز أكثر على بنية و وظيفة المورثات على المستوى الجزيئي.
يضم علم الأحياء الخلوي والجزيئي العديد من فروع علم الأحياء التي ترتبط بدراسة العمليات الحيوية على مستوى الخلية وعلى المستوى الجزيئي ضمن الخلية وخارجها. يضم التقانة الحيوية، علم الوراثة، علم الأحياء التنموي وأخيرا علم الأحياء الدقيقة. علم الأحياء الخلوي يدرس الخلايا الحية من حيث فيزيولوجيتها وبنيتها وبنية عضياتها إضافة لدورة حياتها، الانقسام الخلوي وأيضا موت الخلية. أما علم الأحياء الجزيئي فيدرس العمليات الحيوية على المستوى الجزيئي مما يجعله متداخلا مع الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة