عسل النحل ..ومازال الغش مستمرًا...!
الرياض - إبراهيم عبدالله العريفي (اختصاصي صحة بيئة)
يعرف عسل النحل بأنه تلك المادة اللزجة سميكة القوام التي تجمعها شغالات النحل من جنس (Apis) من رحيق الأزهار، وتقوم بإفراز أنزيمات لتحويل السكريات الثنائية كالسكروز إلى آحادية جلوكوز وفركتوز وتخفض من نسبة الرطوبة وترفع من نسبة السكريات الكلية،إذاً العسل هو إنتاج حيواني ونباتي في الوقت نفسه وعرف الإنسان عسل النحل منذ آلاف السنين واستخدم كعلاج لكثير من الأمراض في الأمم السابقة. وورد ذكره في القرآن في سورة النحل الآية «69» {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} وقوله ص: «الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية نار، وأنا أنهي أمتي عن الكي». فالعسل يحتوي على الماء والسكريات والأنزيمات والفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية ومضادات الميكروبات، و100 جرام منه تعطي 304 سعرات حرارية وهو في المرتبة الثانية بعد التمور من حيث الإمداد بالطاقة. إذاً فهو غذاء ودواء في الوقت نفسه ولكن متى وكيف؟.
* بين فكي الغش والسعر
المستهلك بدا في حيرة من أمره ما هو العسل الطبيعي، وأي نوع وأين يجده وكيف يحفظ؟! فالعرض كثير على حساب الجودة، والسوق مليئة بأنواع من العسل المعروض (محلي ومستورد) ومنها ما هو مجهول الهوية ويسمى باسم المصدر النباتي كعسل السدر أو الطلح أو البرسيم دون تحديد اسم البلد المنتج. فوجود العسل بهذه الكثرة وتفاوت الأسعار قلل من ثقة المستهلك فيه. وقد يقع في فخ السعر الأعلى بحثاً عن الأفضل وقد لا يوفق في ذلك. كما أن ممارسات بعض النحالين وتجار العسل قد تفقد العسل خاصيته العلاجية بل قد يعد من السلع الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي.
* التسخين والجودة
التسخين من المعاملات الضارة بجودة العسل التي قد يقوم بها بعض النحالين أثناء استخراج العسل، أو بعض تجار العسل لإزالة التبلور وإرجاع العسل لحالته الطبيعية. فالحرارة العالية التي تتجاوز (70ْم) تؤثر على الجودة وذلك برفع مادة الهيدروكسي ميثيل فورفورال (H.M.F) الناتجة عن تأكسد سكر الفركتوز في وجود حمض وحرارة.
كما أن الحرارة تحطم الأنزيمات في العسل والخواص العلاجية الأخرى كمادة فوق أكسيد الهيدروجين ذات التأثير العلاجي وخصوصاً على الجروح، وغيرها من المركبات. أما الشمس فلها تأثيران (الحرارة والأشعة).
فبعض محلات العسل للأسف الشديد تقوم بعرض بعض البرطمانات على واجهة المحل المقابلة للشمس سواء «الشرقية أو الغربية» لجذب الزبائن ولفت الانتباه، ولكن ماذا يحدث للعسل؟ إن أشعة الشمس تعمل كثيراً من الأكسدة للعناصر التغذوية وحرارتها العالية خصوصاً في فصل الصيف، فننبه المستهلك إلى ذلك وننصح صاحب المحل بأن يتجنب عرض العسل على الواجهة حفاظاً على العسل من التغيرات السلبية وحفاظاً على صحة المستهلك. أيضاً فإن المستهلك الذي لا يستطيع أن يميز العسل الطبيعي من المغشوش قد ينخدع وراء بعض التخمينات التي يقوم بها البعض لإثبات أن العسل طبيعي وليس مغشوشاً مثل خرق العسل ووضعه على الرمل وما شابه ذلك، فهذه الاجتهادات معرضة للصواب والخطأ ولكنها أقرب إلى الخطأ منها إلى الصواب.
فلنأخذ على سبيل المثال رمي قطرة من العسل على الرمل هل تتكور أم تختلط مع الرمل، علمياً: إن قطرة العسل إذا كانت الرطوبة بها عالية فسوف تختلط، أما إذا كانت الرطوبة منخفضة أي أن العسل ناضج فسوف تتكور القطرة ولا تختلط. إذاً حددت هذه التجربة مدى نضج العسل أو محتواه المائي وهذه قد يميزها المستهلك من خلال رج البرطمان ومشاهدة حركة العسل. إذاً هذه التجارب تحدد بعض الصفات وليست هامة وقاطعة لكشف الغش في العسل أو التغذية الصناعية بالسكر.
فالسبيل الوحيد هو الفحوص والتحاليل التي من خلالها تثبت الصلاحية للاستهلاك الآدمي وكشف الغش وتحديد الجودة. كما أن العسل لا يحتاج إلى الحفظ في الثلاجة، فدرجة حرارة الغرفة (25ْم) مناسبة جداً لحفظ العسل. وقد يتساءل البعض عن التبلور أو ما يطلق عليه العامة التجمد في العسل وهذه من خصائص العسل الطبيعية التي تحدث عندما تقل درجة حرارة العسل عن (14ْم) يتبلور سكر الجلوكوز على شكل بلورات ويترسب. وهناك العديد من النظريات العلمية التي تفسر ذلك، فليس كل أنواع العسل تتبلور وإنما بعض الأنواع اعتماداً على نسب السكريات المختزلة مع الرطوبة، كما أن حبوب اللقاح نواة للتبلور وإزالة التبلور، ممكن أن تتم بتسخين العسل في ماء ساخن بحيث لا تتجاوز حرارة العسل (70ْم) مع التحريك حتى يعود إلى طبيعته.
بعض أنواع العسل قد يتبلور مرة أخرى إذا لم تكن الحرارة أو المدة كافية لإزالة التبلور.
فعسل النحل يكون طبيعياً ودواء إذا لم يتعرض النحل المنتج له لأي عمليات تغذية صناعية، وفرز العسل بعد نضجه بطريقة صحيحة ودون تعريضه لأي معاملات حرارية أو أشعة الشمس وتخزينه في أوعية صحية، والزجاج هو أفضلها بينما المعدن المتآكل يتفاعل مع الأحماض الموجودة في العسل ويصبح العسل ملوثاً ببعض المعادن الثقيلة والتي لها تأثير ضار على الجسم على المدى البعيد بما يسمى بالأثر التراكمي.
كما أن بعض أعسال المزارع قد تتلوث بالمبيدات الحشرية والتي تجمعها النحلة من رحيق الأزهار التي تم رشها بالمبيد، وتذوب في الشمع أكثر من العسل بسبب القطبية، فبعد فرز العسل تكون غالبية المبيد قد تم التخلص منها في الشمع، لذا نحذر من أكل الشمع الناتج من خلايا النحل في مزارع ترش بالمبيدات الحشرية. كما أن طريقة أخذ العسل وتناوله تحدد درجة الاستفادة منه علاجياً، فقد يقوم المريض بتناول العسل لعدة شهور بطريقة خاطئة لا يحصل منها على الاستفادة الكاملة، فقد يقوم بخلط العسل مع الحليب وكما هو معروف فإن الحليب مادة غذائية تحتوي على العديد من العناصر والمركبات كالدهون والبروتين واللاكتوز وغيرها من العناصر، وعندما تختلط مع العسل في المعدة يكون هناك منافس لمركبات العسل بالنسبة للامتصاص فتقل الفائدة، بينما يكون أخذ العسل مع الماء فقط أفضل لعدم وجود المنافس، فيتم امتصاص المكونات العلاجية من العسل دون أدنى منافسة. كما أن درجة حرارة الماء لها دور فيجب أن لا يكون الماء ساخناً، بل ماء عادي يميل إلى البرودة وذلك لعلاج كثير من أمراض الجسم وخصوصاً الأمراض الباطنة والقولون، أما أمراض المعدة كالقرحة والحموضة فيفضل أخذه دون ماء وفي الصباح الباكر قبل الإفطار بساعة لكي يمكث في المعدة أطول مدة ممكنة، ليقوم بالعلاج الموضعي لجدار المعدة الداخلي، وهناك من يكتحل بالعسل لعلاج أمراض العين. وهناك بعض الخطورة من بعض أنواع العسل السامة، أو الملوثة التي قد تضر بالعين أكثر من نفعها.
كما أن بعض الأمهات قد تعطي الطفل الرضيع عسل النحل وعمره دون السنة، وهذا فيه خطورة عليه لاحتمال حدوث التسمم البوتشيليني للأطفال وذلك لوجود نوع من جراثيم (Sporse) بكتيريا كلوستريم بوتشيلينيم اللاهوائية والتي قد تنشط وتهاجم الطفل بسبب عدم اكتمال جهازه المناعي وتحدث له نزلات معوية قد تؤدي إلى الوفاة بينما الأطفال الذين هم أكبر من السنة والكبار لا تؤثر فيهم.
فالأمراض، كفانا الله وإياكم شرها، كثيرة ومتعددة ومتشابهة في أعراضها، وعسل النحل فيه شفاء من كل داء (إذا أحسن استخدامه) بإذن الله.