:السلام عليكم و
أمل العودة والخضوع للواقع
استيقظ عصام علي أصوات من كان معهم في السجن ،أصواتهم كانت السبب في إيقاظه من حلم جميل ،كان يحلم بالأمل،بالحرية ولكنه تفاجئ بأنه لا يزال أسير يأسه قبل أن يكون أسير سجنه
نهض وكانت ملامح الحزن والعبوسة تبدو واضحة علي وجهه ،اقترب احدهم نحوه وناداه قائلا:
-هيه ...أنت ألا تزال نائما انهض لقد قرر المدير أن يعزلنا في غرف منفردة بسبب ما سببناه من مشاكل
انهض وانظر ماذا يحدث من حولك السجن مقلوب..هيه ألا تسمع
هه...يبدو غائب عن الوعي تماما.
همس بهده الكلمات وانصرف،لكن عصام لم يلتفت لما قاله أبدا ولم يهتم، لقد ذكره هذا اليوم بأول يوم جاء فيه للسجن بعد قبض عليه في عملية سرقة ،لقد كان عصام عضوا في مجموعة للمشردين في المدينة،كان يرأسهم رجلا شريرا ،وكان يجبرهم علي السرقة وجمع الأموال مقابل الطعام والمبيت .
لا يزال عصام يذكر وجههما ،نعم وجه والديه عندما قتلا أمامه ...لقد كانت مجموعة من المجرمين المتهورين دخلوا البيت وقتلوا والده وسرقوا كل شيء في المنزل.
لا يزال يذكر صوت والدته وهي تنادي:
-عصام بني اذهب بعيدا يا بني ،هيا اهرب اهرب ولا تعد لا تكترث لأمري سوف أعود إليك لا تخاف.
كانت هده آخر كلمات من والدته ،لم يكن يعلم أنها ستكون المرة الأخيرة التي يري فيها وجه والدته أو يسمع صوتها،فمن بعد تلك الحادثة انضم إلي هؤلاء المجرمين المشردين لكي يؤمن حياته.
كان يمضي وقته بالسطو علي المنازل أو انتشال الأموال ممن الناس لكي يستطيع أن يجد ما يأكله أو يجد مكانا ينام فيه.
هده حياة عصام باختصار،حياة مملوءة بالقهر والعذاب ،حياة مملوءة بالألم والمرارة،لم يعش طفولته كما باقي الأطفال،كان يحسد كل طفل له والدين ،لم يعرف عصام معني الابتسامة في حياته بل انه لم يسمع بها أصلا.
هدا اليوم في السجن ذكره بأول يوم له فيه ،فلقد كان صراخ السجناء يملا المكان ويزمجره ،أيقن في تلك اللحظات انه دخل في مرحلة جديدة من حياته لا تقل بؤسا عما قبلها.
فتح عينيه بعد أن تذكر تلك الذكريات الأليمة لكن هذه المرة ليست كأي مرة ،شعر في تلك اللحظات بأمر غريب يسري بداخله شيء ما يحثه علي الهرب ..نعم الهرب
ولكن من أين جاءته تلك الفكرة؟ربما مرارة الأيام وسواد الأوقات جعله يتنبأ بهده الفكرة.
جاء العسكري وأخذه نحو غرفته المنعزلة كباقي زملائه كعقاب لهم،ولكنه وجد الفرصة السانحة له في الهرب فهو يعرف أن من يعاقب بالعزل في غرف منفردة ،يسمح له بيوم في الأسبوع بأن يقوم بتزويد خزانات المياه بالماء اللازم من شاحنات المياه ، وكان يعلم بأن هذه الشاحنات تحتوي علي فتحة يدخل منه الماء الذي سيزود به الخزانات ،واستطاع أن يدخل من تلك الفتحة وان يبقي داخل السيارة حتى خرجت وابتعدت عن السجن،انتظر حتى ابتعد السائق وخرج من الشاحنة وبدأ يركض ويركض دون توقف حتى ابتعد عن المكان وارتمي فوق الأرض ولم يكن هناك شيء يستطيع أن يمنعه من أن يستغرق في سبات عميق بعد هدا اليوم.
في اليوم التالي استيقظ علي قطرات ندي الصباح وهي تنزل من علي أوراق الأشجار لتتساقط عليه ،فتح عينيه وابتسم كانت أول مرة يبتسم فيها ثم نظر إلي السماء كانت أول مرة أيضا ينظر فيها للسماء بهده الطرقة ويشتم رائحة الحرية،لكنه سرعان ما أدرك انه هارب من العدالة وان الشرطة تلاحقه في كل مكان ،نهض ثانيتا وتابع المسير، لقد كان متعبا جدا حتى أوصلته الطريق إلي بلدة صغيرة ،دخل البلدة ونظرة يمينا وشمالا حتى وجد دكانا صغيرا يبيع فيه رجل عجوز،انتهز الفرصة وقال في نفسه:
انه رجل عجوز ولن يستطيع اللحاق بي ؟ سوف أخد بضع تفاحات وأهرب بعيدا.
وبالفعل فعل ذلك وسرق التفاحات،وبعد أن أكلها شعر بتأنيب الضمير وعدم الرضا علي نفسه قال وهو يشعر بضيق في صدره:
-إلي متى ستظل حياتي هكذا إلي متى سأظل معتمدا علي السرقة لقد تعبت من هدا،
آه كم أنا إنسان فاشل بائس لا هدف لي في هده الحياة ولا أمل، أنا إنسان بائس.
قالها بصوت مرتفع وكررها ثانيتا ...وانهمر في البكاء :
-حياتي كلها ظلام، ظلام دامس لم أري في حياتي شيء يسرني أو يسعدني كل حياتي آلام وأوهام إلي متى ؟ إلي متى سأظل هكذا حتى متى ؟
فجأة شعر بيد أحدهم تلمس كتفه ،التفت نحوه وإذا هو ذلك العجوز الذي سرق منه التفاح ارتعب عصام ولكن العجوز،أخد يطبطب علي ظهر عصام ثم قال:
-امسح دموعك يا بني،فالحياة اقصر مئة مرة من أن نشعر فيها بالضجر ،مهما كبرت آلامك وأحزانك فإنها لا تساوي شيئا أمام خالقها،لم آتي لأطلب منك استرجاع التفاح المسروق بل أتيت لأنصحك بالإقلاع عن هذه العادات السيئة،حينها صرخ عصام قائلا:
كيف ؟لا استطيع لقد أصبحت جزءا لا يتجزأ مني كيف هذا صعب؟،فرد العجوز قائلا:
-بل تستطيع قل فقط أريد تم حاول من جديد تصبح لأصعب الأعمال حلول، تب إلي الله تعالي ولا تقنط من رحمته فرحمته سبحانه وسعت كل شيء،وكن قوي الإرادة بأن لا ترجع لارتكاب الأخطاء،وكن واثقا بان الله سبحانه وتعالي سوف يقبلك ،وتق وتأكد بأنك ستكون اسعد إنسان علي وجه الأرض.
شعر عصام بمقدار التغير الذي طرأ عليه من كلام ذلك العجوز،شكر عصام العجوز وقال له:
والآن يا سيدي ها أنا تبت إلي الله وأنا الآن مصمم بعدم العودة لما فعلته من قبل ولكن ماذا بعد؟
-رد العجوز قائلا: الآن سلم نفسك إلي العدالة وكن واثقا بأنك في هده المرة سوف تكون أسعد مما كنت عليه لأن الله معك ،ولا تخف في الله لومت لائم.
تفاجئ عصام لما قاله العجوز وتساءل كيف يسلم نفسه بعد أن وجد الحرية لكنه سرعان ما أدرك أنها حرية كاذبة فهو ملاحق في كل مكان،حينها قرر عصام وكان قراره قويا هذه المرة لقد قرر أن يسلم نفسه للعدالة و أن ينال الجزاء العادل لكنه هذه المرة سيكون مختلفا عما كان عليه من قبل.
سيكون عصام الإنسان الجديد،الإنسان الدي أرهقته الأيام لكنه ابتسم رغم الآم أخيرا
قرر العودة،قرر أن يخضع لواقعه الجديد واقع مملوء بالأمل بعد أن كان مملوءا بالألم.
هده هي قصة عصام باختصار،لقد تكمن عصام من أن يتغلب علي آلامه وأحزانه
وان يبتسم من جديد فلا شيء أجمل من التوبة والعودة إلي الله.
{بنت أبوها]