[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]شاعر تونسي من العصر الحديث، مرهف الحس، رقيق العاطفة، عكست تجربته الشعرية آمال وآلام شعراء الحركة الرومانسية، ينشد السعادة والجمال المطلق، ويرى في الحب سبيلا لتحقيق الخير والجمال ويرفعه إلي درجة التقديس، فالحب عنده أسمى عاطفة، وأجمل شعور.
ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء 24 فبراير من عام 1909م في بلدة "الشابة" التابعة لولاية توزر المعروفة في تونس بكثرة العلماء و الشعراء فيها وهو نجل الشيخ محمد الشابي الذي تلقى تعليمه بالقاهرة ومكث بها حتى حصل على "إجازة الأزهر".
وكان الشيخ محمد الشابي رجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي حيث ادخله والده "الكُتاب" وهو في الخامسة من عمره، وأتمّ حفظ القرآن بكامله في سنّ التاسعة، ثم بدأ والده في تعليمه أصول العربية ومبادئ العلوم الأخرى ولما بلغ الحادية عشرة من عمره التحق بجامع الزيتونة المعمور في 11 أكتوبر 1920م وتخرّج عام 1928م ثم التحق بمدرسة الحقوق التونسية وتخرج فيها عام 1930م.
كان الشابي مريضا بالقلب ولم تظهر أعراض المرض عليه واضحة إلا في عام 1929 عندما ألح عليه والده في الزواج الأمر الذي استدعى استشارة الطبيب الذي حذره من عواقب الإجهاد الفكري والبدني ولكن امتثالاً لرغبة والده عزم الشابي على الزواج وعقد قرانه.
ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن، وضعف بنيته وأحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلاً والصدمة التي تلقاها بموت حبيبته الصغيرة وإهماله لنصيحة الأطباء بالاعتدال في حياته البدنية والفكرية بالإضافة إلى زواجه.
يقول الشابي في إحدى يومياته وقد مر ببعض الضواحي : " ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم ؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر من ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية ".
في عام 1933م ازدادت حالته الصحية سوءاً واشتدت عليه الآلام فاضطر إلى ملازمة الفراش مدة، ثم دخل مستشفى الطليان في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهر أكتوبر قبل وفاته بستة أيام وتوفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في فجر التاسع من أكتوبر من عام 1934م، ونقل جثمانه في نفس اليوم إلى توزر ودفن بها، وقد نال الشابي بعد وفاته اهتماماً كبيراً ففي عام 1946م تألفت لجنة لإقامة ضريح له نقل إليه في احتفال كبير.
ويمكن القول أن الظروف الاجتماعية والسياسية وأيضا الخاصة التي عاشها الشابي قد ساهمت في تشكيل رؤيته وتجربته، فقد عانى ظلم مجتمعه، وتأثر بما كان سائدا فيه من تخلف وجمود، كما عانى آلام الوحدة بعد أن فقد حبه الذي ظل يبكيه طوال حياته، وبعد أن فقد أباه الذي كان رمزا لكل المبادئ والمعاني السامية التي يؤمن بها، وعانى آلام المرض الذي أصيب به في مرحلة شبابه، وكان سببا في وفاته وهو في ريعان الشباب.
كل هذه العوامل أدت إلى الإحساس بالألم النفسي الحاد بداخله كما أدت إلى ثورته على الجمود والتخلف من جهة أخرى، وقد عبر عن ذلك في شعره الذي يبدو فيه الصراع بين الحزن والسعادة، وبين الموت والحياة، وينتهي هذا الصراع بتفضيل الموت الذي إعتبره الشابي بداية لحياة أخرى مليئة بالسعادة والجمال المطلق، بعيدة عن الآلام والقبح الذي انتشر في حياة البشر، ويبدو ذلك في قوله:
أما إذا خمدت حياتي وانقضى عمري وأخرست المنية نائي
فأنا السعيد بأنني متحول عن عالم الآثام والبغضاء
لأذوب في فجر الحياة السرمدي وأرتوي من منهل الأضواء
وقد اعتمد الشابي في تشكيل موقفه ورؤيته التي تصور الصراع والآلام بداخله على التشخيص الذي ينتشر في شعره انتشاراً واسعاً، إذ يعتبر وسيلته للكشف عن انفعالاته وآلامه الداخلية وصراعه مع مجتمعه، فالتشخيص ذو قدرة كبيرة على التكثيف العاطفي، وعلى الإيجاز والإيحاء، وهذا أمر يسعى إليه شعراء الرومانسية ومنهم الشابي بصفة خاصة.
والتشخيص أكثر الصور قدرة على التعبير عن المشاعر الداخلية، وأكثر قدرة على تحقيق الإسقاط، إذ يسقط الشاعر ذاته على مظاهر الطبيعة من حوله من خلال صوره التشخيصية، ويبدو ذلك في معظم أشعاره وخاصة في قصيدة "مأتم الحب".