المبحث السادس عشر: أخلاق مُعَلِّم القرآن
أوَّل ما ينبغي لمعلِّم القرآن أن يقصد بتعليمه رضى الله تعالى: يرجو ثوابه، ويخشى عقابه.
وينبغي له: أن لا يقصد بتعليمه غرضاً من أغراض الدنيا، أو صرف وجوه الناس إليه، أو نحو ذلك.
ينبغي لمن علمه الله كتابه، فأحب أن يجلس في المسجد، أو في غيره من الأماكن الطاهرة، يقرئ القرآن لله، يغتنم قول النبي : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»( )، فينبغي له أن يستعمل من الأخلاق الشريفة ما يدل على فضله وصدقه، وهو أن يتواضع في نفسه إذا جلس في مجلسه، ولا يتعاظم في نفسه، والأفضل أن يستقبل القبلة في مجلسه.
ويتواضع لمن يُلَقِّنه القرآن، ويقبل عليه إقبالاً جميلاً.
وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه ما يصلح لمثله، إذا كان يتلقن عليه الصغير والكبير والحدث، والغني والفقير، فينبغي له أن يوفي كل ذي حق حقه، ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن: فلا ينبغي له أن يقرب الغني ويبعد الفقير، فإن فعل هذا فقد جار في فعله، فحكمه أن يعدل بينهما، ثم ينبغي له أن يحذر على نفسه التواضع للغني والتكبر على الفقير، بل يكون متواضعاً للفقير، مقرباً لمجلسه متعطفاً عليه، يتحبب إلى الله بذلك.
وقد قال الله تعالى للنبي الكريم محمد : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( )، وأحق الناس باستعمال هذا بعد رسول الله أهل القرآن إذا جلسوا لتعليم القرآن يريدون به الله .
وينبغي لمن يُلَقِّن إذا قُرئ عليه أن يحسن الاستماع إلى من يقرأ عليه، ولا يشتغل عنه بحديث ولا غيره، فبالحري أن ينتفع به من يقرأ عليه، وكذلك ينتفع هو أيضاً، ويتدبر ما يسمع من غيره، وربما كان سماعه للقرآن من غيره له فيه زيادة منفعة وأجر عظيم، ويتناول قول الله :
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ( )، فإذا لم يتحدث مع غيره وأنصت إليه أدركته الرحمة من الله، وكان أنفع للقارئ عليه.
وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ عليه أو غلط، أن لا يُعنِّفه وأن يرفق به، ولا يجفو عليه، ويصبر عليه.
فمن كانت هذه أخلاقه انتفع به من يقرأ عليه، وينبغي لمن كان يقرئ القرآن لله أن يصون نفسه عن استقضاء الحوائج ممن يقرأ عليه القرآن،وأن لا يستخدمه ولا يكلفه حاجة يقوم بها،والأفضل له إذا عرضت له حاجة أن يكلفها لمن لا يقرأ عليه ويصون القرآن عن أن يقضى له به الحوائج،فإن عرضت له حاجة سأل مولاه الكريم قضاءها،فإذا ابتدأه أحد من إخوانه من غير مسألة منه فقضاها،شكر الله؛إذ صانه عن المسألة والتذلل لأهل الدنيا،وإذ سهّل الله له قضاءها،ثم يشكر من أجرى ذلك على يديه؛فإن هذا واجب عليه.
وهذه نصيحة لأهل القرآن؛ لئلا يبطل سعيهم، إن هم طلبوا به شرف الدنيا حرموا شرف الآخرة، إذ يتلونه لأهل الدنيا طمعاً في دنياهم، أعاذ الله حملة القرآن من ذلك، فينبغي لمن يجلس يقرئ المسلمين أن يتأدب بأدب القرآن يقتضي ثوابه من الله ، يستغني بالقرآن عن كل أحد من الخلق،متواضع في نفسه ليكون رفيعاً عند الله( ).
ويحذر كل الحذر من قصده الكثرة بكثرة المشتغلين عليه، والمختلفين إليه.
ويحذر من كراهيتِهِ قراءة أصحابه على غيره، ممن يُنتفع به، وهذه مصيبة ابتلي بها بعض المُعَلِّمين الجاهلين، وهي تدل على سوء النية، وعلى عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى.
وينبغي أن يتخلق بالمحاسن التي وردت في الشرع والخصال الحميدة، والشِّيم المرضيَّة.
وينبغي أن يلازم ذكر الله تعالى في الصباح، والمساء، والأحوال والأوقات التي جاءت عن النبي ، ويذكر الله ذكراً كثيراً
وينبغي له أن يراقب الله تعالى في سرِّه وعلانيته، ويرفق بمن يقرأ عليه، ويبذل النصيحة له، ويذكر له فضيلة ذلك؛ ليكون سبباً في نشاطه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، ويؤدِّب المتعلِّم على التدرّج بالآداب المرضيَّة، ويكون حريصاً على تعليمه، ويقدِّم في تعليم المتعلمين إذا ازدحموا: الأوَّل، فالأوَّل، ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية.
وينبغي له: أن يصون يديه في حال تعليمه عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، وأن يكون مجلسه واسعاً( ).
وصلّى الله على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.