سلامي للجميع،
نظراً لكثرة التساؤلات التي وصلتني عبر مختلف وسائل الاتصال (البريد الالكتروني، الهاتف، الفيسبوك ...) بخصوص المذنب "إلينين" Elenin، فقد كتبت البيان التالي وقمت بتوزيعه عبر وسائل مختلفة.
وها هو نص البيان:
"
حقيقة المذنب إلينين
د. حنا صابات
عميد معهد الفلك وعلوم الفضاء/ جامعة آل البيت
رئيس الجمعية الفلكية الأردنية
(11/9/2011)
انتشرت في الآونة الأخيرة وبشكل واسع أخبار حول المذنب "إلينين" عبر شبكة المعلومات الدولية—الإنترنت، وبشكل خاص عبر البريد الإلكتروني وبعض مواقع التواصل الاجتماعي (مثل "فيسبوك") ومواقع تشارك مقاطع الفيديو (مثل "يوتيوب"). وبإيجاز، تدعي هذه الأخبار بأن المذنب "إلينين" تسبب بالفعل في حصول زلازل مدمرة على الأرض (مثل زلزال تشيلي وزلزال نيوزيلندا وزلزال اليابان)، وأنه سيتسبب في وقوع كوارث كبرى أخرى على كوكبنا الأرضي يوم 26 أيلول (سبتمبر) الجاري بسبب وقوعه في ذلك اليوم بين الأرض والشمس، وبحيث ستحدث زلازل بشدة 12 إلى 13على مقياس "ريختر" فيتم تدمير المناطق الساحلية المحاذية للمحيط الهادئ بأكملها (مثل نيوزيلندا واليابان وإندونيسيا وكوريا وروسيا والساحل الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية)! وكذلك سيتسبب هذا المذنب بكسوف للشمس لفترة تزيد على ثلاثة أيام !! ويعقب ذلك حدوث براكين هائلة وانفجارات متعددة ورياح عاتية وتبخر للمياه السطحية وتساقط للأمطار الحمضية وحدوث حرائق كبيرة في كافة أنحاء الأرض !!! بالإضافة إلى ذلك، تنتشر قصص غريبة أخرى حول "إلينين" جلها أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع—منها أن إلينين هو "قزم بني" أو أنه "ثقب أسود"! فما هي حقيقة ذلك كله؟
يمكن بإيجاز القول بأن كل ما ذكر أعلاه هو محض هراء، وأن الشيء الوحيد الحقيقي في ذلك كله هو وجود مذنب يدعى "إلينين" نسبة إلى هاوي الفلك الروسي ليونيد إلينين Leonid Elenin الذي اكتشفه يوم 10/12/2010 باستخدام تلسكوب رابوطي (آلي) قطره 45 سنتيمتر ويتم التحكم به عن بعد ويوجد في الولايات المتحدة، وأعطي الرمز العلمي C/2010 X1 .
ويقدر قطر نواة هذا المذنب بين 3 إلى 4 كيلومتر، بينما وصلت الهالة الغبارية المحيطة به إلى نحو 100,000 كيلومتر. وتدل الأرصاد على أن مدار هذا المذنب عالي الاستطالة للغاية بحيث إما أن يكون من المذنبات طويلة الأمد (تزيد فترته المدارية على 11,800 سنة تقريباً) أو أنه من المذنبات غير الدورية ذات المدارات المفتوحة (أي التي تقترب من الشمس مرة واحدة ثم تغادر النظام الشمسي نهائياً)—سيتم تحديد ذلك مع المزيد من الأرصاد لحركة هذا المذنب وخاصة بعد مغادرته لمنطقة كواكب النظام الشمسي والتي تؤثر كثيراً في حركته. وقد بلغ المذنب إلينين بالفعل نقطة الحضيض (أقرب نقطة إلى الشمس) يوم 10/9/2011 وعلى بعد منها وصل إلى 0.482 وحدة فلكية (نحو 72 مليون كيلومتر). أما عن أدنى اقتراب لهذا المذنب من الأرض فسيكون يوم 16/10/2011 المقبل، وبمسافة لا تزيد عن 34 مليون كيلومتر (أي أقل من ربع المسافة بين الأرض والشمس)، وبحيث يصبح "إلينين" قابلاً للرصد بالمنظار الثنائي (الدربيل) أو بالتلسكوب الصغير في السماء الشرقية ما قبل الفجر.
أما من ناحية تأثيراته على الأرض، فهو لن يكون له أي تأثير على الإطلاق على كوكبنا. فمن المعروف أن المذنبات تخلف في مداراتها كميات كبيرة من الغبار. فإن تقاطع مدار الأرض مع الأسراب الغبارية هذه، ترجم رصدياً على شكل زخات من الشهب ترصد في مواعيد محددة من السنة (مثل زخة شهب الأسديات التي تنشط عند منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام وتنشأ من مخلفات مذنب تمبل تاتل Tempel-Tuttle). مع ذلك، تدل الأرصاد الفلكية على أن الأرض لن تتقاطع مع مخلفات مذنب إلينين أو مع ذيله الترابي. أما الخطر الأكبر الذي قد تمثله المذنبات (أو أية أجرام أخرى صغيرة سابحة في فضاء الأرض القريب كالكويكبات) فتتمثل في تصادمها مع الأرض. إلا أن الأرصاد والحسابات الفلكية تؤكد أن مذنب إلينين لا يشكل أي خطر من هذا القبيل.
لم يبق هناك سوى التأثير الجاذبي. ومن المعروف أن جرماً صغيراً بكتلة إلينين لن يغير شيئاً في مدار الأرض، بل على العكس، ستؤثر الكتلة الكبيرة للأرض (نسبياً) على حركة إلينين المدارية مسببة اضطراباً بسيطاً في عناصره المدارية. أما من ناحية الزلازل والبراكين، فما ذكرته بعض المواقع على الإنترنت هو محض هراء أيضاً! فآليات حدوث الزلازل والبراكين الأرضية ترتبط بشكل رئيسي بعمليات جيوفيزيائية تحدث داخل الأرض ولا علاقة لها بمواقع الكواكب أو الأجرام الصغيرة السابحة في الفضاء. وأما الكلام عن حدوث كسوف لمدة ثلاثة أيام، فهو أيضاً عار تماماًُ عن الصحة: فالقمر وقطره أكبر بنحو ألف مرة من قطر مذنب إلينين وأقرب إلى الأرض بما لا يقل عن مائة مرة من إلينين في أحسن أحواله لا يستطيع أن يكسف الشمس كلياً أكثر من بضعة دقائق!
أخيراً، ينبغي التأكيد على أن شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وبالرغم من أهميتها ودورها المحوري في تبادل البيانات ونقلها، تبقى مصدراً غير موثوق للمعلومات العلمية ما لم تكن صادرة عن جهات علمية أو أكاديمية موثوق بها. ومع الأسف، أصبحت الإنترنت بالتالي تلعب دوراً سلبياً بهذا الخصوص، وأصبحت الشائعات والقصص الملفقة تأخذ "شكلاً علمياً" يخدع كثيراً من الناس من غير المتخصصين، خاصة مع وجود الكثير من المدّعين وذوي الأجندات الخاصة والذين يستمتعون بل ويستفيدون من إحداث البلبلة والخوف بين البشر.