يظهر السفور والتبرج في بلاد المسلمين إلا بعد موجات الاستعمار والتغريب التي أجتاحتهم، حيث كان من أولويات المستعمر:
نزع حجـــاب المرأة وتعطيـــــل العمل بالشريعة ..
كما قال جلادستون في كلمته الشهيرة "لا يمكن أن تتقدم بلاد الشرق إلا بأمرين : أن نرفع الحجاب عن المسلمة ونغطي به القرآن"
وقد كانت النساء المسلمات يخرجن منتقبات على مر عصور الإسلام المختلفة وفي مختلف البلدان ..
والدليل على ذلك من أقوال أئمة السلف ما يلي:
الإمام أبو حامد الغزالي، قال في كتابه (إحياء علوم الدين) "ولم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبـــات" .. وقد عاش في القرن الخامس (توفي 505هـ)، في الشام والعراق.
الإمام النووي الشافعي الدمشقي، نقل في كتابه (روضة الطالبين) الاتفاق على ذلك، فقال في حكم النظر إلى المرأة "والثاني: يحرم، قاله الاصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو محمد، والإمام، وبه قطع صاحب المهذب والروياني، ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات (أي: كاشفات للوجه)، وبأن النظر مظنة الفتنة، وهو محرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع، سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية " .. وقد عاش في القرن السابع.
ابن حيان الأندلسي المفسر اللغوي، قال في تفسيره (البحر المحيط) "وكذا عادة بلاد الأندلس، لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة" .. وقد عاش في القرن الثامن.
ابن حجر العسقلاني الشافعي، قال في الفتح "استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى: المساجد، والأسواق، والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهن الرجال " .. وهو فلسطيني الأصل ومصري المولد، قد عاش في القرن التاسع.
ابن رسلان، الذي حكى "اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساق"
وهكذا كُن نساء المسلمات مُنتقبات على مدار خير القرون ولم يكن سافرات الوجوه ..
ومع مجيء الاستعمار بدأ النفث في الشبهات حول النقاب والحجاب، وظهر من يدعو وينادي بالسفور من على المنابر، والصحف، والكتب، باعتبار أن كشف الوجه مسألة خلافية ..
النقــاب .. شبهات وردود
1) شبهة السفور والتقدم ..
ظهرت الإدعاءات والإفتراءات على حجاب المرأة وأنه سبب التخلف وانحطاط الأمة، وإنه لا مجال للتقدم سوى بسفور المرأة ومزاحمتها للرجال في ميادين العمل.
وها هي المرأة قد تحررت من تلك القيود المزعومة منذ عقود .. ومازالت بلاد المسلمين على رأس قوائم دول العالم الثالث، بل وزاد الانحطاط الأخلاقي وشاع الفساد في أنحاء البلاد.
فأين هذا التقدم الذي يأتي مع كشف الوجه والتبرج والاختلاط؟!!
2) شبهة أن بعض المنتقبات تسيء له ..
إن المنتقبة بشر وهي غير معصومة، فإن أساءت فهي مذنبة .. والدين شريعة وأخلاق وسلوكيات، والنقاب إحدى شرائع الإسلام ولكنه ليس كلها ..
فيجب تنبيه المُخطأة وتصحيح خطأها، والتصحيح لا يكون بتغيير شرائع الله سبحانه وتعالى وأحكامه.
3) شبهة أن النقاب قيد لحرية المرأة وسلب لحقوقها ..
وهذا غير صحيح، فقد أنتشر النقاب في البلاد بفضل الله .. والمنتقبات منهن المتفوقات في دراستهن والطبيبات والمعلمات وزوجات صالحات وأمهات أبرار، ولا يعوقهن النقاب عن أداء واجباتهن .. والسفور لن يكون أبدًا السبب في نجاح المرأة.
4) شبهة أن النقاب سترة للمحتالين واللصوص والإرهابيين ..
والرد على هذه الشبهة:
أولاً: أن المنافقين كانوا يُخفون الكفر والزندقة في قلوبهم ومع ذلك كانوا يتظاهرون بالإسلام ويصلون .. ولكن لم يتم إلغاء الصلاة لأن المنافقين كانوا يصلون!!
ثانيًا: بعض اللصوص والمحتالين قد يرتدي زي رجال الشرطة والأمن وينتحل صفتهم .. وليس من المعقول أن نقوم بإلغاء زي رجال الشرطة لإنتحال البعض لشخصياتهم!!
ولا مانع من التحقق من شخصية المنتقبة في الأماكن التي تقتضي ذلك .. ويكون ذلك عن طريق موظفة محترمة، كما هو الحق لأي مواطن آخر.
5) شبهة أن النقاب عادة وبدعة وليس من الشرع ..
ويكفينا ما ورد في كتاب الله عزَّ وجلَّ والسُنة المُطهَّرة من أدلة صحيحة واضحة على وجوب النقاب ..
ولكن يأبى الله تعالى إلا أن تأتي الإجابة على هذه الشبهة من فضيلة شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي في كتابه التفسير الوسيط للقرآن .. فقال في تفسيره لآية الحجاب "والجلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة، فوق ثيابها .
والمعنى: يأيها النبى قل لأزواجك اللائى فى عصمتك، وقل لبناتك اللائى هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رءوسهن إلى أقدامهن، زيادة فى التستر والاحتشام ، وبعدا عن مكان التهمة والريبة .. قالت أم سلمة - رضى الله عنها - : لما نزلت هذه الآية ، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها." [التفسير الوسيط (3449)]
أقوال أهل العلم المعاصرون في النقــــاب ..
في حوار شهير له مع صحيفة (الأخبار الحكومية) نشرته بتاريخ 1 / 4 / 1994م، أبدى العلامة الراحل الكبير الشيخ محمد متولي الشعراوي غضبه وسخطه على من يهاجمون النقاب والحجاب، وقال ما نصه "وعجيب أيضا وغريب أمر هؤلاء ، وهم في رفضهم للحجاب والنقاب يرفعون شعار الحرية الشخصية !! ونحن نسألهم أهناك حرية بلا ضوابط تمنع الجنوح بها إلى غير الطريق الصحيح ؟ وأية حرية تلك التي يعارضون بها تشريعات السماء؟ هذه الحرية التي تضيق الخناق على المحجبات، وتترك الحبل على الغارب للسافرات فَيُحرضن على الجريمة بعد الافتتان! وحسبنا من سوابق الخطف للفتيات، واغتصاب المائلات المميلات، حسبنا من ذلك دليلاً على حكمة الله البالغة فيما شرع من ستر!! إن هؤلاء يحاولون التدخل في صميم عمل الله، ويريدون أن تُشَرِّع الأرض للسماء وخسئوا وخاب سعيهم"
فتوى الشيخ عطية صقر ـ من كبار علماء الأزهر الشريف ـ عام 1997 ..
عندما سُئل عن صحة الحديث الذي روته السيدة عائشة عن الرسول الذى يحل ظهور كفَّى المرأة ووجهها .. فأجاب قائلاً:
"حديث السيدة عائشة رواه أبو داود وابن مردويه والبيهقى عن خالد بن دريك عنها، وهو أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول اللّه وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله وقال "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه .
يقول الحافظ المنذرى فى " الترغيب والترهيب ج 3 ص 33" : هذا مرسل ، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة، وذكره القرطبى فى لك، ويميل إتفسيره وقال : إنه منقطع. وقال ابن قدامة فى " المغنى " : إن صح هذا الحديث فيكون قبل نزول الحجاب .
وبناء على هذا لا يوجد دليل يستثنى وجه المرأة وكفيها من وجوب سترهما.
ويؤكد ذلك الشوكانى بأن المسلمين من قديم الزمان على ذلك هذا فى زمن يكثر فيه الفساق . والخلاف موجود بين الأئمة .. " .. وأكمل قائلاً "وما دام الأمر خلافيا فلا يحكم ببطلان رأى ولا يجوز التعصب لغيره، وللإنسان حرية الاختيار، وكل هذا الخلاف ينتهى إذا كان وجه المرأة جميلا تخشى منه الفتنة فيجب ستره"
قد أتفق علماء المذاهب الأربعة على وجوب ستر المرأة لوجهها في زمن الفتنة، الذي يكثُر فيه الفساق أو إذا كانت المرأة جميلة أو شابة صغيرة.
ولا تزال الشُبهات تُلقى على عقول المسلمين من المُبطلين في كل مكان، فقد بدأوا بالنقاب وبعدها يأتي الحجاب ولن ننتظر طويلاً حتى نجد من يُشكك في الصلاة والزكاة وسائر شعائر الإسلام ..
ولكن الله تعالى ناصر عباده المؤمنين وإنما هذا ابتلاء لهم ليرى صدقهم .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]