بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم يبتلكم موضوع عن الايمان بالله وان شاء الله يعجبكم ...
الإيمان بالله
فالإيمان بالله سبحانه وتعالى هو الركن الأول من أركان الإيمان التي وضحها الرسول، وذلك عندما سأله جبريل -عليه السلام- عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). (مسلم). والإيمان بالله هو روح الإسلام، وأهم ركن من أركان العقيدة الصحيحة، ومعنى الإيمان بالله هو أن يعتقد المسلم أن الله هو رب كل شيء في هذا الوجود، ولا رب سواه، وأن الله خالق كل شيء ولا خالق غيره، وهو المحي والمميت، والنافع والضار، وهو وحده -سبحانه- الذي يستحق العبادة. ويعتقد المسلم أن الله -تعالى- متصف بكل صفات الكمال، مُنزَّه عن كل صفات النقص.
والإيمان بالله هو أصل العقيدة وأول أركانها، فهي تدور في فلكه، وتستقي من منابعه، فالمسلم إذا آمن بالله ربًّا فسوف يؤمن بملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، فلن يكون هناك إيمان بالرسل إلا إذا وُجد الإيمان بالله -عز وجل- الذي أرسلهم، ولن يكون إيمان بيوم الحساب إلا بعد الإيمان بالله. والإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوب وجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته.
الإيمان بوجوب وجود الله تعالى
المسلم يؤمن بأن وجوب وجود الله حقيقة لا ريب فيها، دلت عليها أدلة كثيرة منها: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس، والمشاهدة.
الإيمان بوجوب وجود الله عن طريق الفطرة
كانت الأمواج هادئة عندما ركب بعض الكفار في سفينة، وانطلقوا في البحر، وفي أول الرحلة سخَّر الله لهم ريحًا طيبة جعلتهم يسيرون في البحر بسرعة، ففرحوا بها، وفجأة هاجت الأمواج، وإشتدت الرياح والعواصف فأصبحوا في مأزق عصيب، عندئذ صاح هؤلاء الكفار بأعلى أصواتهم يدعون الله -عز وجل- ويلجئون إليه، ويطلبون منه النجاة، يقول سبحانه وتعالى في سورة يونس 10 – أية 22: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
وهكذا فطرة البشر تلجأ إلى الله -عز وجل-، وتظهر حقيقتها في وقت الشدة والكرب حتى وإن وجد عليها الصدأ، وطُمِست شفافيتها في أوقات الغفلة واللهو والرخاء، ذلك لأن الله -عز وجل- خلق الإنسان مفطورًا على الإسلام والإحساس بوجوب وجود الله، يقول سبحانه وتعالى في سورة الروم 30 – أية 30: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). ويقول عليه الصلاة والسلام (ما من مولود إلا يولدُ على الفِطْرةِ فأبواه يُهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجِّسَانه) (البخاري).
والمسلم يؤمن بوجوب وجود الله -عز وجل-، فهو يدرك ذلك بفطرته التي وضعها الله فيه. وهناك أقوام لا يؤمنون بوحدانيَّة الله ولا باليوم الآخر، ويرون أن الطبيعة خلقت نفسها، وقد جاء سبعة عشر رجلاً من هؤلاء الزنادقة إلى الإمام الشافعي -رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على وجوب وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم (الحرير)، ويأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعرًا وروثًا، فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد. فاستحسنوا كلام الإمام وأسلموا على يديه.
ويروى أن بعض الزنادقة -أيضًا- جاءوا إلى جعفر، فقال جعفر لأحدهم: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال جعفر: حدثني عن أغرب شيء حدث لك؟ قال الرجل: هاجت يومًا رياح هائلة، فكسرت السفينة، وأغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج، وفُقد اللوح، ودُفعتُ إلى الساحل. فقال جعفر: قد كان اعتمادك على السفينة والملاح ثم على اللوح حتى ينجيك. فلما ذهبت عنك هذه الأشياء، هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟ قال: بل رجوت السلامة. قال جعفر: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الصانع الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، هو الذي نجاك من الغرق. فاعترف الرجل بوجوب وجود الله وأسلم على يديه.
دلالة العقل على وجوب وجود الله
سأل بعض القدرية- الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسان- أبا حنيفة عن وجوب وجود الله -عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ؟! فبكوا جميعًا، وقالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم. وقد سُئِل أعرابي عن الدليل على وجوب وجود الله؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجوب وجود اللطيف الخبير؟! والمسلم يدرك أن هذا الكون قد أبدعه خالق مبدع قدير. وقد سمع أحد الصحابة بعض آيات من القرآن، فقال: كاد قلبي أن يطير، إنها قول الله تعالى في سورة الطور 52 – في الآيات 35-37: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ).
دلالة الشرع على وجوب وجود الله
والمسلم يؤمن بأن جميع الكتب السماوية نطقت بأن الله واجب الوجود، والأحكام التي فيها دلت على أنها من عند إله حكيم عليم. يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء 21 – أية 25 (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). ويقول سبحانه وتعالى في سورة النحل 16 – آية 36 (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، ويقول عز وجل في سورة الأعراف 7 – أية 65 (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) ويقول سبحانه وتعالى في سورة الاعراف 7 – آية 85 (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ويقول عز وجل في سورة المؤمنون 23 – أية 23 (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ)، ويقول سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
دلالة المشاهدة على وجوب وجود الله
والمسلم يؤمن بكل ما يشاهده من نصر الله للمستغيثين والمكروبين، فالمؤمنون في غزوة بدر عندما دعوا الله -عز وجل- وطلبوا منه النصر، استجاب الله دعاءهم، وأيدهم بجنود من عنده يقاتلون معهم، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنفال 8 – أية 9 (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
وزكريا -عليه السلام- دعا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فاستجاب الله دعاءه ووهب له يحيي -عليه السلام-، فبعد أن كانت زوجته عاقرًا لا تلد أصبحت لديها القدرة على الحمل والولادة بإذن الله، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء 21 – في الآيات 89-90 (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
وفي عهد الرسول (أصاب المدينة جفاف وقحط، فقام أعرابي والرسول يخطب الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا. فأخذ الرسول يدعو وهو رافع يديه، فتجمع السحاب، ونزل المطر قبل أن يُنزل يديه، حتى إن المطر كان ينزل على رسول الله، ورأى الصحابة قطرات الماء تنزل من كفيه، وظلت السماء تمطر طوال الأسبوع، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع الرسول يديه يدعو الله، ويقول: (اللهم حوالينا، لا علينا) فتوقف المطر). متفق عليه.
آيات الله وآيات الأنبياء دليل على وجوب وجود الله
إن كل ما في هذا الكون من خلق هو آية من آيات الله، التي تدل على وجوب وجود الله سبحانه وتعالى، وتشهد على عظمة هذا الخالق وعلى كمال صفاته، فقطرة الماء آية من آيات الله، وجناح البعوضة آية من آيات الله، وكل من الشمس والقمر والليل والنهار والحياة والموت، آية من آيات الله، وكل آية من آياته سبحانه معجزة للإنسان، يقف الإنسان حائراً عاجزاً أمامها، فعجز الإنسان أمام قطرة الماء، هو نفس عجزه أمام الشمس، وأمام القمر، وأمام غيرها من آيات الله، ولكن مرورنا على آيات الله سبحانه وتعالى التي حولنا باستمرار، تجعلنا نعتاد عليها، فننسى مدى عظمة هذه الآية، ومدى بداعة خلقها، من أجل هذا كان سبحانه وتعالى يرسل للناس من وقت لآخر، آية كبرى من آياته، أيْ، آية غير إعتيادية، لتذكرنا بوجوب وجود خالقنا وتفرده ووحدانيته وربوبيته وكمال صفاته، مع أحد رسوله، مثلما أيد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بالقدرة على إشفاء المريض والأبرص والأعمى بإذن الله، والقدرة على إحياء الموتى بإذن الله، ومثلما أيد سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام بالعصا، فكان يضرب بها الحجر فيخرج منه الماء، ويضرب بها الماء فيتجمد، ويتحول إلى أرض يابسة، بإذن الله تعالى، يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة 2 – أية 60 (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، كما وأيد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأية شق القمر حيث (اجتمع المشركون في مكة، وطلبوا من الرسول أن يشق لهم القمر نصفين، فقال لهم: (إن فعلت تؤمنوا؟) قالوا: نعم. فأشار الرسول (إلى القمر -وكان بدرًا- فانفلق فلقتين، ورآه الناس). ولكن المشركين المعاندين رفضوا أن يستجيبوا لنداء الحق، وأبوا أن يذعنوا لمعجزة الله، يقول سبحانه وتعالى في سورة القمر 54 – أية 1 (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
وأعظم آيات الله سبحانه وتعالى والتي تدل على وجوب وجوده وعظمته وكماله، كلماته التي جاءت في القرآن الكريم، حتى أننا نطلق على كل مجموعة من هذه الكلمات (آية)، للدلالة على عجزنا عن الإتيان بمثلها، لعظمتها وعظمة نسقها وعظمة معانيها التي بارك الله فيها، فلا تزال تنبع بالمعرفة والحكمة والمعاني العظيمة وستبقى على هذا الحال إلي أن يرث الله الأرض وما عليها، سبحانه عز شأنه وعلا.