1-كن ضوءاً هاديا تتفاءل
كتب بعضهم :مهما كانت الظروف حولك , ومحاصرة الأزمات لك , والتي تحوّل الأجواء إلى ظلام وسواد , كن ضوءا هاديا , ولذلك فقد تغير ما تعارف عليه الناس منذ زمان حينما قالوا : ( بدلاً من أن تلعن الظلام أشعل شمعة ) .
اليوم قل : مرحبا بالظلام ففي داخلي ضوء منير لا يهتز بالظلمات : (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) , فلن تكن ضوءاً إلا بأن تمتلئ بالنور , فكيف تمتلئ بالنور وهل هو أمر صعب وماذا يحتاج منا .
قيل : بالحالة النفسية الايجابية تكون دائما على استعداد لأن تكتشف الخير الذي يكمن في أسوأ المناسبات التي تمر بك أو أقسي الحوادث التي تتعرض لها .
وما قيل هو وصف للإيمان حينما يسكن القلب , فيحول الكيان البشري إلى طمأنينة نتيجة السعة التي يعيش فيها القلب .
أما عكس ذلك فهو الضيق الذي يقيد الإنسان , ويشله عن الحركة , ويزيد الظلمات ظلمات : ( ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ) .
السعة الداخلية هي الراحة , هي الطمأنينة , التي تجعلك تستفيد من الظلمات مهما كان حجمها وسوادها , لأنك وحدك فيها ( الضوء الهادي ) القاعدة في ذلك : ( وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) .
إذن الفرصة مفتحة الأبواب أمام المتفائلين والمتشائمين معا , فالمتفائل لا يتوقف عن آماله , والمتفائل يروض نفسه ويهذب عاداته السيئة ولا يخضع لها , بل يحولها إلى العادات الحسنة , ومن هنا يبدأ طريق التفاؤل .
2 – كيف تبني صرح التفاؤل
ما تراه أمام عينيك , وما يظهر لك كلما فتحت جفونك هو في الحقيقة ما تعمق في نفسك , وما استقر في مشاعرك , وما سكن في وجدانك .فإن كان خوفا طفت في الخوف , وإن كن جبنا سبحت في الجبن , وإن كان كرها غرقت في الكره , وإن كان حقدا سرحت في الحقد .
تبدأ أولاً : في خواطرك ثم في أوهامك ثم في خيالك ثم تصدق ذلك , فينقلب إلى خلق سرعان ما يتحول باعتياده وتكراره إلى طبع وسجية , فيصير بعد ذلك سلوكك في الحياة , وللأسف سلوك يقيدك ويسجنك في قفص لا فكاك منه من الحسد والخوف والغيرة والكره والجبن والغضب والانفعال, وكل هذا هم جنود التشاؤم وأبناء الإحباط يأخذونك إلى جو أسود ,وكأن الدهر قد انتهي أمره , وكأن الزمان قد ولي شأنه , وكأن المستقبل قد اختفي غيبه , فلا حاضر نعيشه , ولا ماضي يدفعنا , ولا مستقبل ينتظرنا .
وكما قيل : إن الصخرة التي يلقيها القوي ليحفر طريقه هي نفسها التي تعترض الضعيف ويحسبها جبلاً لا يستطيع تجاوزه .
إذن البناء يحتاج إلى مراحل والتفاؤل ما هو إلا خطوات محددة , وهذه الخطوة الأخيرة هي خطوة القوي وتتمثل في أمرين : حسن الظن بالله مصرف الأيام والليالي , ثم حسن الظن بالناس جميعا , حيث لا مناص من معايشتهم .
فهو مع ربه آمن مطمئن قوي قادر قاهر مقتحم ناجح , بالحب لا بالكره , بالثقة لا بالحقد , بالود لا بالحسد , بالأمن لا بالخوف , بالشجاعة لا بالجبن .
دخل النبي على شاب في مرضه فقال له : كيف تجد قلبك قال : أرجو رحمة الله وأخاف ذنوبي , فقال النبي الكريم : ما يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف .
فلماذا القلق وفي داخلك كنز عظيم , وهذه الخطوات واضحة وصريحة لمن أراد بناء صرح التفاؤل , فهو أعظم بناء في الوجود لا يفني , وهو منهج حياة من خطوات واثقة عميقة صادقة , في داخل كياننا , فماذا ينتظرنا ولماذا لا نبدأ على الفور .
3 – لا تصاحب إلا المتفائلين
التفاؤل يعدي , وبمخالطة المتفائلين تسري أخلاق التفاؤل, وبمعاشرة المتفائلين تختفي أخلاق المترددين , وتزول مشاعر الشك والخوف والقلق والكره حيث لا مكان للتشاؤم في الحياة .
والمتفائلون يعرفون بأخلاقهم البعيدة عن الأنانية والأثرة , فهم يتصفون بالمروة وكرم السلوك و فعل الخيرات والسعي بالخدمات , لأن الغارق في خدمة الآخرين إن سألته عن نصف الكوب المملوء بالماء , قال لك : نصفه مملوء بالماء , لأنه لا يري إلا الخدمات التي يفعلها ونفع الغير والخيرات التي يقدمها , أما غيره فيقول : أري نصفه الفارغ , لأنه لا يري إلا خواءً في كيانه , ولا يسمع إلا صدي صوته , ولا يحس إلا صمتاً من داخله , فكيف بالله يري شيئا غير موجود , وكيف يشعر بشئ معدوم .
فإذا أردت أن تتخلص من التشاؤم والتردد والسلوك المظلم فاصحب من تغلب علي هذه المدمرات وتخلص منها , ودفنها أرضا وانطلق في الحياة الرحبة الواسعة الفسيحة , فاستطاع أن يري ما بناه من مستقبل مشرق وضاء وهو في واقع وحاضر سعيد . فلماذا لا تلجأ إليهم وتحافظ عليهم لا تتركهم وتتخلص مما يأخذك إلى الهاوية السحيقة المرة .
4 – إنما السعادة في التفاؤل
أجمل ما في الكون أن تملك قلبا سعيدا بعيدا عن الحقد والحسد والبغي والظلم , أجمل ما في الكون أن تكون رفيقا بكل من حولك وأن تشعر معهم بالحب وتراعي مشاعر من تحب , فتشتاق إليه إن غاب , وتفرح به إن حضر , فعلاً أجمل ما في الوجود أن تتفاءل فتري الحياة حلوة رغم تشاؤم من حولك , لأن الغد دائما أفضل من اليوم , ولأن القادم أحلي من الآن , لا تندهش , فإن ذلك لسبب واحد ، أنك قد فوضت أمرك إلى الله , بعد إعلان توكلك عليه وحده , واستنفاذك لكل ما هيأه ويسره وقدمه لك من وسائل وأسباب , ولذلك اسأل دائما نفسك :
1 - ما مدي علاقتي بأصدقائي
2 – هل تصرفاتي تعجب أهلي ومن حولي
3 – هل أحافظ علي أصدقائي وأخواني
4 - هل ملابسي – هاتفي – حقيبتي – ساعتي و.. و .. أحبهم
5 – هل الأماكن تؤثر في مشاعري
6 – هل لي ارتباط شعوري وروحي بأماكن بعينها
7 – هل أنا راض عن تصرفاتي مع الناس وخاصة ما لا أعرفهم
8 – هل تحاول إصلاح أخطائك أولاً بأول
9 – هل تعرف تماما عيوبك وحددت طريقة التعامل معها
10 – هل مع كل ما سبق وتحققك به تفوض أمرك إلى الله على الدوام
بهذه الإجابات تحصل على الجانب المشرق في حياتك وتتغلب على التشاؤم , فإن لم يكن فاجعله محققا , وإن كان ضعيفا قويه , وإن كان خافتا أشعله , وإن كان معدوما فابدأ على بركة الله , ومعك الله بتأييده وتوفيقه وتيسيره : ( ومن توكل على الله فهو حسبه ) .
وهذا هو الإيمان , والإيمان هو التفاؤل بعينه , ( لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) , وهذا هو الهدى والهدى هو التفاؤل : ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) .
فالسعادة تنبع من داخلنا ., والجانب المشرق في حياتنا نراه من داخلنا ,وهو ما توصل إليه اخيراً علماء النفس فأطلقوا عليه ( علم النفس الايجابي ) , لأنه الطاقة الداخلية التي تمد الانسان بالسعادة , فقالوا : التفاؤل يحض الفرد علي تخطي الفشل وتحمل تحديات جديدة , كما أن التسامح والامتنان يحررانه من المرارة والضغينة حيال الماضي .
في حين أكدت الدراسات النفسية : ( إن التفاؤل والمزاج الايجابي أمران أساسيان لصحة الجسم والنفس ولهما دورهما الايجابي في سعادة الانسان )
أنا أعلم أنك لست بحاجة إلى كل هذه الدلائل ولكن حتي تعلم أن الكون كله علمه وأدبه وحياته وواقعه , يقف بجوارك أيها المتفائل , لتزداد مضيا في سبيل التفاؤل , وتمسكا بدرب التفاؤل .
ويكفينا حديث رسول الله صلي لله عليه وسلم الجامع لكل ماسبق :
( تفاءلوا بالخير تجدوه ) فهناك لغة للتفاؤل , ينبهنا إليها النبي الحبيب , تتحول بالمعايشة والمخالطة والمعاملة مع الناس إلى أسعد حياة ينشدها السعداء :
( وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ) .