أغلقت هبة سماعة الهاتف و قلبها يرقص فرحا، فبعد ساعتين سيتحقق حلمها الذي ظلت تنسج خيوطه طويلا،فها هو عصام يبلغها بأنه سيأتي ليطلب يدها من والدتها..كم كانا يتطلعان سويا بلهفة إلى هذا اليوم بالذات..
عادت بذاكرتها ثلاث سنوات خلت حين التقت بعصام للمرة الأولى في الجامعة..كان مختلفا عن كل من عرفتهم، ربما بسبب ابتسامته الهادئة الواثقة و تلقائيته التي جذبت إليه الكثيرين..لم تدرِ كيف تعلقت به منذ الوهلة الأولى، وكيف أخذت تفكر به في ليلها..لم تكن تنكر أنها قد أعجبت به و بشخصيته الهادئة، و لكنها لم تكن تتوقع أبدا أن تتوطد العلاقة بينهما إلى الحد الذي وصل إلى أن تلتقي به كل يوم تقريبا، و كم كانت فرحتها عامرة حين صرح لها بحبه و اعترف لها بأنها الفتاة التي كان يحلم بها و ..
"هبة! ماذا تفعلين؟!" انتزعها هتاف أمها من ذكرياتها فاندفعت نحوها و أخذت تقبلها في سعادة و هي تقول "عصام يا ماما!!!سيأتي بعد قليل ليطلب يدي"، رفعت الأم حاجبيها في حنان و هي تحتضن ابنتها الوحيدة هاتفة "مبارك يا بنيتي..مبارك، هيا ماذا تنتظرين؟!! اذهبي و استعدي لاستقباله"…
انطلقت هبة نحو حجرتها الصغيرة ، وجلست أمام المرآة تسرح شعرها ، و ابتسمت و هي تتذكر موقفه حينما أخبرته بأن هناك شخصا قد تقدم لخطبتها،وهو يسألها بحذر إن كانت ستوافق أم لا ؟!! لم يكن مستعدا بعد ليتقدم هو لخطبتها،فهو ما زال في مرحلة الدراسة و أمامه عام كامل لكي يتخرج و يبحث عن عمل، و لكنها طمأنته بأنها لن ترتبط إلا بالشخص الذي تحبه، كانت تقصده هو بذلك و لكن حياءها كان يمنعها من أن تصرح له بحبها، و لم يمنع ذلك من أن يفطن هو إلى أنها تبادله نفس شعوره..
لم تكن هبة تدري سببا لهذا الخوف في أعماقها كلما جلست معه يتحدثان عن حلمهما المشترك ، و كيف سيحققانه معا؟!! كانت تشعر بأنها تعيش حلما لن يكتمل..عقلها الباطن كان يوحي لها بذلك ، وكم كانت فرحتها عارمة حين زف إليها نبأ تخرجه و التحاقه بعمل في إحدى الشركات المعروفة، و بقرب تحقيق حلمهما المنشود الذي طالما انتظراه سويا..و لم يكد يمر عام واحد حتى التقى بها ذات مرة ، وأخرج من جيبه مفتاح الشقة و أخذ يلوح لها به، يا لها من مفاجأة!! لم تصدق هبة أن أهم عقبة في تحقيق حلمهما قد تم اجتيازها و رغم ذلك كان الخوف في أعماقها لا يفارقها و يطارد سعادتها تلك و لا تدري سببا له، و كلما أخبرته بذلك يبتسم في وجهها محاولا أن يطمئنها و لكن دون جدوى و..
"هيا يا هبة..الضيف على وشك الوصول! " انتفضت هبة إثر هذا النداء و ارتدت ملابسها على عجل ثم قامت بوضع اللمسات الأخيرة على زينتها، و غادرت حجرتها لتساعد أمها في ترتيب المنزل..ومرت الدقائق ثقيلة للغاية فخرجت هبة إلى الشرفة ترقب وصول فارسها، وأخذت تنظر بغيظ إلى تلك السيارات التي تقطع الشارع بسرعات جنونية تنم عن استهتار أصحابها..كم تكره ذلك!!! و كم تذمرت على هذا المنزل حين انتقلوا إليه الصيف الماضي لأنه يطل على هذا الشارع؛ هزت رأسها تحاول نسيان ذلك، و لم تكد تفعل حتى لاحت لها سيارة عصام الجديدة قادمة من بعيد ، وعاد الخوف يطبق على مشاعرها و هي تتطلع إلى السيارة التي قدمت من شارع جانبي باتجاه سيارة عصام ، وسائقها العابث يسير بسرعة جنونية غير آبه بقوانين المرور ، و بلغ مؤشر الخوف أعلى معدلاته في تلك اللحظة، و شهقت هبة و هي ترى السيارتين تقتربان من بعضهما دون أن يشعر أحدها بالآخر ، وأخذت هبة تصرخ ملوحة بيدها لتحذر فارسها و لكن فات الأوان و كان لا مفر من الاصطدام، ولم تشعر هبة المسكينة بنفسها إلا و هي تندفع نحو عصام و تتلقفه بين ذراعيها و قد سالت من شفته الدماء بغزارة، و تهتف باسمه بكل اللوعة و الخوف في أعماقها، و سمعته و هو يتمتم بخفوت " آسف يا هبة!! " و لم يكد يلفظها حتى سقط رأسه على كتفيه بين أحضانها،
و بكل أسى الدنيا صرخت هبة..و اغتال القدر حلما لم يكتمل!!