- فوائد الصلاة( )
فرض الله على الأمة خمس صلوات كل يوم وليلة، ومن النوافل والرواتب والوتر وغيرها ما هو تبع لها، لما في ذلك من الفوائد الضرورية والكمالية الدينية والدنيوية، قال تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا( ) فهذه الآية تدخل فيها الصلوات الخمس، وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي في الصلوات الخمس وتفصيل أوقاتها وشروطها ومكملاتها، وفي فضلها وكثرة ثوابها، فمن فضائلها أنها أعظم عبادة يحصل فيها الخضوع والذل لله وامتلاء القلب من الإيمان به وتعظيمه، وذلك مادة سعادة القلب الأبدية ونعيمه ولا يمكن تغذيته بمثل الصلاة، والصلاة أعظم غذاء وسقي لشجرة الإيمان، فالصلاة تثبت الإيمان وتنميه، وتنمي ما يثمره الإيمان من فعل الخير والرغبة فيه، وكذلك تنهى عن الشر، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ( ) فأخبر أن فيها الغذاء بذكر الله والشفاء بنهيها عن الفحشاء والمنكر، وأي شيء أعظم من هذا وأجل وأكمل؟
ومن فضائلها أنها أكبر عون للعبد على مصالح دينه ودنياه، قال تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة( ) أي على كل الأمور، أما عونها على المصالح الدينية فإن العبد إذا داوم على الصلاة وحافظ عليها قويت رغبته في فعل الخيرات وسهلت عليه الطاعات وبذل الإحسان بطمأنينة نفس واحتساب ورجاء للثواب، وتذهب أو تضعف داعيته للمعاصي، وهذا أمر محسوس مشاهد، فإنك لا تجد محافظًا على الصلاة فروضها ونوافلها إلا وجدت تأثير ذلك في بقية أعماله، ولهذا كانت الصلاة عنوانًا على الفلاح، قال تعالى: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر الآية( ) والمراد عمارتها بالصلاة والقربات، وقال «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله يقول: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر»( ).
وأما عونها على المصالح الدنيوية فإنها تهون المشاق وتسلي عن المصائب ويجازي الله صاحبها بتيسير أموره، ويبارك له في ماله وأعماله وجميع ما يتصل به ويباشره.
ومن فضائلها أن من أكملها وأتقنها فقد فاز وسعد، وفي حديث أبي هريرة مرفوعا: أول ما يحاسب عنه العبد صلاته، فإن كان قد أتمها فقد أفلح وأنجح، الحديث في السنن.
وللصلاة خمس فوائد كل واحدة خير من الدنيا وما عليها، تكميل الإسلام التي هي أكبر أركانه وتكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات، وزيادة القرب من رب السموات، وزيادة الإيمان في القلب ونوره، وقد شرع الشارع الاجتماع للصلوات الخمس والجمعة والعيد لما في الاجتماع من حصول التنافس في الخيرات والتنشيط عليها، والتعلم والتعليم لأحكامها، فإن العالم ينبه الجاهل، والجاهل يتعلم بالقول والفعل من العالم ويقتدي الناس بعضهم ببعض، وكذلك ما في الاجتماع من التواد والتواصل بين المسلمين وعدم التقاطع وما في ذلك من معرفة حال المصلين والمحافظين على الصلاة والمتهاونين، ومضاعفة الأجر بالاجتماع، وكثرة الخطا إلى المساجد وما يتبع ذلك من قراءة وذكر وعبادات تفعل في المساجد بأسباب الصلوات.
ومن فوائدها الطبية البدنية وهي مصلحة تابعة لغيرها ما فيها من الرياضة المتنوعة النافعة للبدن المقوية للأعضاء والحركة المذيبة للأخلاط الغليظة وذلك من وجهين.
أحدهما: ما في الصلوات ووسائلها وتوابعها من المشي والذهاب والمجيء والقيام والقعود والركوع والسجود المتكرر، وكذلك الطهارة المتكررة، كل هذه الحركات نفعها محسوس مشاهد لا يماري فيه إلا جاهل.
الوجه الثاني: أن روح الصلاة ومقصودها الأعظم حضور القلب بين يدي الله ومناجاته بكلامه، وذكره والثناء عليه ودعائه، والتضرع إليه وطلب القربة عنده ورجاء ثوابه، وذلك بلا ريب ينير القلب ويشرح الصدر ويفرح النفس والروح، ومعلوم عند جميع الأطباء أن السعي في راحة القلب وسكونه وفرحه وزوال غمه وهمه من أكبر الأسباب الجالبة للصحة الدافعة للأمراض المخففة للآلام، وذلك مجرب مشاهد وخصوصًا صلاة الليل أوقات الأسحار فإن النبي ذكر في الحديث الصحيح أن العبد إذا قام من الليل فذكر الله وتوضأ ثم صلى ما كتب له انحلت عنه عقد الشيطان كلها فأصبح طيب النفس نشيطًا، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ومصالح الصلاة الدينية والاجتماعية والبدنية لا تعد ولا تحصى